سورة الحاقة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


قوله تعالى {الحاقّةُ ما الحاقّةُ} فيه قولان:
أحدهما: أنه ما حقّ من الوعد والوعيد بحلوله، وهو معنى قول ابن بحر.
الثاني: أنه القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد، قاله الجمهور وفي تسميتها بالحاقة ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد بالجزاء على الطاعات والمعاصي، وهو معنى قول قتادة ويحيى بن سلام.
الثاني: لأن فيها حقائق الأمور، قاله الكلبي.
الثالث: لأن حقاً على المؤمن أن يخافها.
وقوله {ما الحاقة} تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها.
{وما أدْراكَ ما الحاقّة} قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شئ في القرآن فيه (وما أدراك) فقد أدراه إياه وعلّمه إياه، وكل شيء قال فيه {وما يدريك} فهو ما لم يعلمه إياه.
وفيه وجهان:
أحدهما: وما أدراك ما هذا الاسم، لأنه لم يكن في كلامه ولا كلام قومه، قاله الأصم.
الثاني: وما أدراك ما يكون في الحاقة.
{كذّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعةِ} أما ثمود فقوم صالح كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز، قاله محمد بن إسحاق: وهو وادي القرى، وكانوا عرباً.
وأما عاد فقوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت واليمن كله، وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة، ذكره محمد بن إسحاق.
وأما {القارعة} ففيها قولان:
أحدهما: أنها قرعت بصوت كالصيحة، وبضرب كالعذاب، ويجوز أن يكون في الدنيا، ويجوز أن يكون في الآخرة.
الثاني: أن القارعة هي القيامة كالحاقة، وهما اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد.
وفي تسميتها بالقارعة قولان:
أحدهما: لأنها تقرع بهولها وشدائدها.
الثاني: أنها مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين، قاله المبرد.
{فأمّا ثمودُ فأهلِكوا بالطاغية} فيها خمسة أقاويل:
أحدها: بالصيحة، قاله قتادة.
الثاني: بالصاعقة، قاله الكلبي.
الثالث: بالذنوب، قاله مجاهد.
الرابع: بطغيانهم، قاله الحسن.
الخامس: أن الطاغية عاقر الناقة، قاله ابن زيد.
{وأمّا عادٌ فأهْلِكوا بريحٍ صَرْصَرٍ عاتيةٍ} روى مجاهد عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكتْ عاد بالدَّبور».
فأما صرصر ففيها قولان:
أحدهما: أنها الريح الباردة، قاله الضحاك والحسن، مأخوذ من الصر وهو البرد.
الثاني: أنها الشديدة الصوت، قاله مجاهد.
وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: القاهرة، قاله ابن زيد.
الثاني: المجاوزة لحدها.
الثالث: التي لا تبقى ولا ترقب.
وفي تسميتها عاتية وجهان:
أحدهما: لأنها عتت على القوم بلا رحمة ولا رأفة، قاله ابن عباس.
الثاني: لأنها عتت على خزانها بإذن اللَّه.
{سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً} اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنّ أولها غداة يوم الأحد، قاله السدي.
الثاني: غداة يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: غداة يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.
وفي قوله {حُسُوماً} أربعة تأويلات:
أحدها: متتابعات، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والفراء، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
وكم يحيى بها من فرط عام *** وهذا الدهر مقتبل حسوم.
الثاني: مشائيم، قاله عكرمة والربيع.
الثالث: أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها، لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم، وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم، قاله الضحاك.
الرابع: لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحداً، قاله ابن زيد، وفي ذلك يقول الشاعر:
ومن مؤمن قوم هود *** فأرسل ريحاً دَبوراً عقيماً
توالتْ عليهم فكانت حُسوماً *** {فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: البالية، قاله أبو الطفيل.
الثاني: الخالية الأجواف، قاله ابن كامل.
الثالث: ساقطة الأبدان، خاوية الأصول، قاله السدي.
وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه:
أحدها: أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من الخيشوم، وتخرج من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية، حكاه ابن شجرة.
الثالث: لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم، فصاروا بقطعها كالنخل الخاوية.
{وجاءَ فرعونُ ومَن قَبْلَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ {ومن قِبلَهُ} بكسر القاف وفتح الباء.
والثاني: ومن تقدمه، وهو تأويل من قرأ {ومن قَبْلَهُ} بفتح القاف وتسكين الباء.
{والمؤتفِكاتُ بالخاطئة} في المؤتفكات قولان:
أحدهما: أنها المقلوبات بالخسف.
الثاني: أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة، أي الكاذبة.
والخاطئة: هي ذات الذنوب والخطايا، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم قوم لوط.
الثاني: قارون وقومه، لأن اللَّه خسف بهم.
{فعصَوْا رسولَ ربِّهم} فيه وجهان:
أحدهما: فعصوا رسول الله إليهم بالتكذيب.
الثاني: فعصوا رسالة اللَّه إليهم بالمخالفة، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر:
لقد كذَبَ الواشون ما بُحْت عندهم *** بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول.
{فَأَخَذَهُمْ أَخذةً رابيةً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: شديدة، قاله مجاهد.
الثاني: مُهلكة، قاله السدي.
الثالث: تربوبهم في عذاب اللَّه أبداً، قاله أبو عمران الجوني.
الرابع: مرتفعة، قاله الضحاك.
الخامس: رابية للشر، قاله ابن زيد.
{إنا لما طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ظَهَر، رواه ابن أبي نجيح.
الثاني: زادَ وكثر، قاله عطاء.
الثالث: أنه طغى على خزانه من الملائكة، غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه، قاله عليّ رضي الله عنه.
قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال.
وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عيله سبيل، ثم قرأ: {إنا لما طغى الماء} الآية. وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ. {بريح صرصر عاتية سخرها عليهم} الآية.
{حملناكم في الجارية} يعني سفينة نوح، سميت بذلك لأنها جارية على الماء.
وفي قوله حملناكم وجهان:
أحدهما: حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم.
الثاني: أنهم في ظهور آبائهم المحمولين، فصاروا معهم، وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
من قبلها طِبتَ في الظلال وفي *** مُستودع حيث يُخْصَفُ الورقُ.
ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ *** أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ.
بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد *** ألجَمَ نَسراً وأهلَه الغرقُ.
{لنجْعلهَا لكم تذكِرةً} يعني سفينة نوح جعلها اللَّه لكم تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة، وقال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي.
{وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيةٌ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: سامعة، قاله ابن عباس.
الثاني: مؤمنة، قاله ابن جريج.
الثالث: حافظة، وهذا قول ابن عباس أيضاً.
قال الزجاج: يقال وعيت لما حفظته في نفسك، وأوعيت لما حفظته في غيرك.
وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجلعها أُذُنَ عليٍّ» قال مكحول: فكان عليٌّ رضي اللَّه عنه يقول: ما سمعت من رسول الله شيئاً قط نسيته إلا وحفظته.
الرابع: أن الأذن الواعية أُذن عقلت عن اللَّه وانتفعت بما سمعت من كتاب اللَّه، قاله قتادة.


{فيومئذٍ وقَعَتِ الواقعةُ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: القيامة.
الثاني: الصيحة.
الثالث: أنها الساعة التي يفنى فيها الخلق.
{وانْشَقّت السماءُ فهِي يومئذٍ واهيةٌ} في انشقاقها وجهان:
أحدهما: أنها فتحت أبوابها، قاله ابن جريج.
الثاني: أنها تنشق من المجرة، قاله عليّ رضي الله عنه.
وفي قوله {واهية} وجهان:
أحدهما: متخرقة، قاله ابن شجرة، مأخوذ من قولهم وَهَى السقاءُ إذا انخرق، ومن أمثالهم:
خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤه *** ومَن هُريق بالفلاةِ ماؤهُ
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه.
الثاني: ضعيفه، قاله يحيى بن سلام.
{والملَكُ على أَرجائها} فيه وجهان:
أحدهما: على أرجاء السماء، ولعله قول مجاهد وقتادة.
الثاني: على أرجاء الدنيا، قاله سعيد بن جبير.
وفي {أرجائها} أربعة أوجه:
أحدها: على جوانبها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: على نواحيها، قاله الضحاك.
الثالث: أبوابها، قاله الحسن.
الرابع: ما استدق منها، قاله الربيع بن أنس.
ووقوف الملائكة على أرجائها لما يؤمرون به فيهم من جنة أو نار.
{ويَحْمِلُ عَرْشَ ربِّك فوقهم يَومئذٍ ثمانيةُ} يعني أن العرش فوق الثمانية وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: ثمانية أملاك من الملائكة، قاله العباس بن عبد المطلب.
الثاني: ثمانية صفوف من الملائكة، قاله ابن جبير.
الثالث: ثمانية أجزاء من تسعة، وهم الكروبيون، قاله ابن عباس، وروى أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يحمله اليوم أربعة، وهم يوم القيامة ثمانية».
وفي قوله {فوقهم} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم يحملون العرش فوق رؤوسهم.
الثاني: أن حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها.
الثالث: أنهم فوق أهل القيامة.
{يومئذٍ تُعْرَضونَ} يعني يوم القيامة، روى الحسن عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، أما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف من الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله»
{لا تَخْفَى منكم خافيةٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا يخفى المؤمن من الكافر، ولا البر من الفاجر، قاله عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
الثاني: لا تستتر منكم عورة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس حفاة عراة»
الثالث: أن خافية بمعنى خفيّة كانوا يخفونها من أعمالهم حكاه ابن شجرة.


{فأمّا مَنْ أُوتي كتابَه بيمينه} لأن إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة.
{فيقول هاؤم اقْرَؤوا كِتابيهْ} ثقة بسلامته وسروراً بنجاته، لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرج، والشمال من دلائل الغم، قال الشاعر:
أبيني أفي يُمْنَى يديكِ جَعَلْتِني *** فأفرح أم صيرتني من شِمالِك
وفي قوله {هاؤمُ} ثلاثة أوجه:
أحدها: بمعنى هاكم اقرؤوا كتابيه فأبدلت الهمزة من الكاف، قاله ابن قتيبة.
الثاني: أنه بمعنى هلموا اقرؤوا كتابيه، قال الكسائي: العرب تقول للواحد هاءَ وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم.
الثالث: أنها كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح روي أن أعرابياً نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت عالٍ فأجابه هاؤم بطول صوته.
والهاء من {كتابيه} ونظائرها موضوعة للمبالغة، وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد.
{إني ظننتُ أني مُلاقٍ حِسابِيَهْ} فيه وجهان:
أحدهما: أي علمت، قال الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك، وقال مجاهد: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك.
الثاني: ما قاله الحسن في هذه الآية، أن المؤمن أحْسن بربه الظن، فأحسن العمل، وأن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل.
وفي الحساب ها هنا وجهان:
أحدهما: في البعث.
الثاني: في الجزاء.
{فهو في عِيشَةٍ راضيةٍ} بمعنى مَرْضيّة، قال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري يرفعانه: إنهم يعيشون فلا يموتون أبداً، ويصحّون فلا يمرضون أبداً، ويتنعمون فلا يرون بؤساً أبداً، ويشبّون فلا يهرمون أبداً.
{في جنة عالية} يحتمل وجهين:
أحدهما: رفيعة المكان.
الثاني: عظيمة في النفوس.
{قطوفها دانيةٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: دانية من الأيدي يتناولها القائم والقاعد.
الثاني: دانية الإدراك لا يتأخر حملها ولا نضجها.

1 | 2